الأحد، 17 يونيو 2012

دور القصة في تنشئة الطفل

تعتبر الوسائل والأساليب عنصراً هاماً من عناصر المنهج الحديث. ولا شك أن تنوع الأساليب التربوية تعمل على تشويق المتعلم وزيادة استعداده للتعلم، ومن الأساليب التي استخدمت في كتاب الله عز وجل في كثير من المواضع أسلوب القصة حيث يقول المولي في كتابه العزيز " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، ما كان حديثاً يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدي ورحمة لقوم يؤمنون". (يوسف : 111)
        وكذلك استخدمها الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم لعلمه بأن هذا الأسلوب محبب للنفوس ففه التشويق ويعمل على صقل مواهب الفرد وتنمية ذكائه وتهذيب خلقه.
        وها هو عمر بن الخطاب يبعث إلى ساكنى الأنصار كتاباً يحدد فيه منهج التعليم التربوي والثقافي لأطفال المسلمين فيقول: "علموا أولادكم السباحة والفروسية ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر".
        ولعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول الحكام الذين تنبهوا إلى أهمية القصة وخطورتها التربوية والتعليمية فها هو يقول: "رووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر"، فلا شك أن لكل مثل قصة يسمونه مضرب المثل.
كما أبرز الإمام الغزالي رحمه الله في القرن الحادي عشر أهمية قصص الأطفال في تنشئة الصغار وتربيتهم حيث كتب في الفصل الخاص " بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم" فكان يقول: مرحلة التعليم يشتغل الطفل في المكتب فيتعلم القرآن فأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لنغرس في نفوسهم حب الصالحين.
نتبين من ذلك أن قصص الأبرار وحكايات الأخيار احدي الوسائل التعليمية لتقويم الخلق وتهذيب النفس كما أنها سبيلاً للتسلية والترفيه وشغل أوقات الفراغ عند الأطفال بمتابعتها بشوق ولهفة مما يبعدهم عن العبث والمجون.
وهذا يقودنا إلى تعريف القصة: قصة الطفل هي نسيج أدبي قوامه جو تتضح فيه فكرة من خلال حوادث تؤديها أو تتعامل معها شخصيات بطرق معينة تعبيراً عن المعني أو الشعور وتحقيقاً لهدف ترفيهي أو فكري أو عاطفي لدي الأطفال.

ويمكن أن نعرف قصص الأطفال بأنها عبارة عن موضوع أو فكرة لها هدف تمثل صورة الإبداع الفني التعبيري تصاغ بأسلوب لغوي فالأطفال بطبيعتهم يميلون إلى سماع القصة وينامون في هدوء عند سماعهم لقصص أمهاتهم وجداتهم.
أما عن دور القصة في نمو الجوانب المختلفة للطفل فلا شك أنه سوف يكتسب العديد من الخبرات والقيم والاتجاهات والعادات والأنماط السلوكية المختلفة منها:
أولاً : النمو اللغوي
حيث تعمل القصة على إثراء الحصيلة ا للغوية للطفل واتساع معجمه اللغوي.
فإن لغة الطفل تنمو من خلال التقليد لذا فإن إذا ما قدمنا للطفل النماذج الجيدة من القصص فسوف يقلده ويحاكيها في حياته اليومية, وتزداد الحصيلة اللغوية للطفل من خلال كلمات القصة وعبارات اللغة العربية وتعويده النطق السليم.
إن قدرة الطفل على استيعاب اللغة هي من المؤشرات لنمو قدراته العقلية فاللغة عبارة عن رموز ابتكرها الإنسان لتحمل معاني يسهل الاتصال البشري وعلى هذا فإن اللغة تسهل عملية التفكير وتسمح بأن يكون التفكير أكثر تعقيداً وكفاءة ودقة, وإنها بتركيبها الخاص تحدد مجرى التفكير ونوعه.
القصة تساهم في تقوية هذه القدرة عن طريق إغناء وإمداد الطفل باللغة, فمن خلال النص الأدبي للقصة يستطيع الطفل أن يكتسب اللغة التي صعب عليه فهمها واكتسابها.
ثانياً : النمو العقلي
حيث تعمل القصة على إكساب الطفل على الكثير من المعلومات وتساعده في غرس القيم والمبادئ الخلقية السليمة التي تساهم في تربيته وتوجيهه.
إن النمو العقلي يخضع لمظاهر تطور العمليات العقلية المختلفة والتي تبدأ بالمستوى الحسي الحركي وتنتهي بالذكاء العام الذي يعتمد على نمو الجهاز العصبي وذلك من خلال:
أ‌.       زيادة القدرة على التذكر والحفظ والانتباه والتخيل والتفكير والتحليل والنقد.
ب‌.  نمو الوظائف العقلية مثل الذكاء العام والقدرات العقلية المختلفة كالإدراك والتفكير والابتكار عند الأطفال.
ت‌. توسيع الخيال لأن القصة تخاطب العواطف من خلال الصور الإبداعية والخلقية ومن السهل على الطفل أن يحيا في جو من الخبرات الخيالية الموجودة في القصة.

ثالثاً : النمو الاجتماعي
تساعد القصة الطفل على :
أ‌.       إثارة نزعات كريمة في نفس الطفل وتعمل على بث العواطف النبيلة.
ب‌.  تكسبه طبع الخلق الفاضل وتدفع الطفل إلى حب الخير.
ت‌.  تبرز للطفل القيم الحميدة فتشعره بالانتماء للأسرة.
ث‌. تنمي الصفات الاجتماعية الحميدة مثل تعويده على كيفية التعامل مع الآخرين والمحبة والاحترام وحسن التصرف.
ج‌.    تكسبه مهارات اجتماعية في عملية الاتصال مع الغير.
رابعاً : النمو النفسي
للقصة دور فعال في النمو الانفعالي للطفل حيث تعمل على :
أ‌.       إكساب الطفل انفعالات مقبولة كالسرور والبهجة والمشاركة الوجدانية.
ب‌.  تخفف حدة التوتر والقلق.
ت‌.  تستخدم القصة في العلاج الطبي والنفسي للأطفال والاكتئاب والاضطراب والمخاوف المرضية.
ث‌.  تعطي فرصة للطفل للتعبير عن نفسه وتنمية قدرته على تكوين الاتجاهات الايجابية نحو ذاته والآخرين.
ج‌.    تشبع حاجات الطفل وخاصة:
·   الحاجة للتوجه ومساعدتة على التعرف على المبادئ والقيم التي يتميز بها المجتمع,  وتعمل على مساعدة الطفل في التعرف على وجود الحب بين جميع المحيطين به سواء كانوا أفراد الأسرة أو الأصدقاء.
·   الحاجة إلى النجاح تعمل القصة على إشباع حاجة الطفل إلى النجاح في المواقف وفي أداء الأعمال التي تسند إليه كالنجاح في المدرسة والمجتمع وغيره.
·   الحاجة إلى الاستقلال وذلك بتقديم مواقف تشجع الطفل على الاستقلال والاعتماد على النفس عند أداءه الأعمال المختلفة.
·        الحاجة إلى التقدير الاجتماعي ويتحقق ذلك بتقديم مواقف تعبر عن احترام الآخرين للطفل وإعجابهم بتصرفاتهم.
وللإجابة على السؤال التاني من الورقة :
كيف تختار القصة المناسبة؟ عندما نختار القصة للأطفال علينا مراعاة بعض الأمورالهامة ومنها:
·        أن تكون القصة بسيطة.
·        أن تحمل القصة معاني هادفة.
·        أن تناسب مستوى الطفل الثقافي.
·        أن تتماشى القصة مع واقع الطفل وخبراته.
·        يستحب أن يكون فيها مرح وصور ملونة واضحة.
·        تناسب طبيعة الطفل وميوله.
·        أن يكون فيها تكرار.
·        أن تكون سهلة وتمكن الطفل من حفظها بسهولة.
·        أن يناسب الاسم والعنوان موضوع القصة.
·        أن تنمي أحاسيس الطفل بالنشاط والحيوية.
·        أن تتاسب مع الجو الاجتماعي السائد.
·        أن تراعي سن الطفل والإدراك العقلي له.
·        أن يراعى مستوى الاجتماعي واللغوي والوجداني عند الأطفال.
·        عدكم تكتيف الأفكار في القصة الواحدة.

في ضوء ما سبق نوصي بالتالي:
1.    نوصي أولياء الأمور والمعلمين بأن يكونوا قدوة حسنة للأبناء في أقوالهم وأفعالهم.
2.    الإطلاع على القصص الواردة في الكتاب والسنة وسير الصالحين للانتفاع بها.
3.    انتقاء بعض القصص النوعية واقتنائها وتقديمها للأبناء.
4.  ضرورة اصطحاب الأبناء للمكتبات العامة وتشجيعهم على القراءة الانتقائية بما يتناسب مع المرحلة العمرية ومتطلباتها التربوية.

دور الإسرة في رعاية طفلها المبدع


يتمنى كل الآباء والأمهات لو كان أبناؤهم من الموهوبين، والواقع أن كثيرا من الأطفال يمتازون باستعدادات فطرية كامنة واهتمامات خاصة ورغبة في التعلم وحبا للاستطلاع، إلا أن بعض الأساليب التربوية التقليدية قد تعمل على وأد هذه المواهب في سنين الطفولة المبكرة.

إن أسرة المبدع تلعب دورا هاما في تنمية ملكات الإبداع الكامنة لديه طالما اهتمت بتوفير الحاجات الأساسية له وبإشاعة جو من الحرية الموجهة داخل المنزل وابتعدت عن أساليب الكبت والتقريع المستمر أو المراقبة الشديدة التي تقتل طموحات الأبناء وتحد من نمو مواهبهم الخاصة، إذا أن على الأبوين مسؤولية كبيرة تتمثل في مشاركة أبناءهم اهتماماتهم الخاصة والبحث عن طرق تساعدهم على استثمار أوقاتهم، وبلا شك فان ذلك يتطلب دراية كاملة بالفرص التي يمكن تقديمها للأبناء، ثم بالوسائل التي تساعدهم على تنمية ملكات التفكير العلمي المنظم.

كثير من الأسر تهتم اليوم بتوفير عوامل التسلية لأبنائها داخل المنزل لقتل أوقات فراغهم وربما هي لاتعلم أنها تقتل أيضا قدراتهم العقلية إذ أن انكباب الطفل على ممارسة ألعاب الكمبيوتر طوال اليوم،أو قراءة قصص تفتقد للمضمون أو مشاهدة برامج الأطفال لا يحقق تطورا في مدارك الطفل العلمية أو يثري معلوماته بالشكل الذي يعمل على تخريج جيل من المبدعين نحن في أمس الحاجة لهم لتحقيق مسيرة التطور أو البناء الابتكاري في المجتمع.

وفي الجانب الآخر فان عزل الموهوب عن البيئة الاجتماعية أو إشعاره انه يختلف كثيرا عن أقرانه وانه جدير بعبارات الإشادة الدائمة أو التدليل الزائد قد يصيبه بالغرور ويحرمه من حقه المشروع في الاختلاط والاستفادة من وقائع الحياة اليومية في إكساب موهبته مزيدا من النضج والخبرة.

وفي هذا الصدد ينصح علماء التربية والاختصاص الأسرة بالصدق وعدم المبالغة في مدح الطفل حتى لا يفقد الثقة فيهم، والتشجيع على قدر الجهد ومنحهم المساعدة عند الحاجة فقط.

على الجانب الآخر فان بعض الضغوط التي يواجهها الموهوب في المدرسة التقليدية تسبب له الضرر، خاصة إذا ما كانت المناهج الدراسية رتيبة وتملا يومه الدراسي بأعمال متكررة ذات نسق واحد، لاتجلب الانتباه ولا تتطلب إلا القليل من إعمال الفكر والذكاء، لذا فان اهتمام مدارسنا اليوم بالأنشطة العملية العلمية أصبح ضرورة مع إعطاء الأبناء فرصة العمل بحرية في ظل توفير مقرات مناسبة وتحديد الاحتياجات التدريبية المرتبطة باكتشاف ورعاية قدرات الأبناء

الطفل المكتئب وكيفية فهمه ومساعدته


كيف يعرف الأهل إن كان طفلهم مكتئبًا أو أنه معرّض ليصبح كذلك, وهل من المتعين أن يقلقوا, أو أن المؤشرات الملاحظة عنده ليست سوى لحظة طبيعية وعابرة ويجب ألا ينشغل بالهم?


إن هناك العديد من الأفكار المبسّطة والخاطئة التي تدور حول الاكتئاب وتحدد موقف المحيط من السلوكات الاكتئابيّة:


أولى هذه الأفكار الخاطئة تكمن في اعتبار الاكتئاب بمنزلة فقدان للإرادة, لضعف في طبع الإنسان أو في اعتباره, أيضًا, كمرض مخجل. والحقيقة تقال, يساهم مثل هذا الحكم بتعزيز أعراض الاكتئاب نظرًا لكونها - أي الأعراض - ليست سوى نوع من التضخيم لحال حزن أو فقدان للاهتمام أو فتور للهمّة عند الفرد المصاب. لذا, يدرك الاكتئاب كحال طبيعية (مضخّمة): يمكن فهمها إنما يصعب تحمّلها عند الآخر, فمثلا, يعتبر الطفل الذي يغسل يديه مائة مرة خوفًا من التقاط مرض معيّن مريضًا, لكن الطفل الذي لا رغبة له في القيام بأي شيء, يرفض اللعب ويبدو حزينًا يُفهم لفترة معينة ثم, بعد ذلك, يعتبر أن عليه تحريك نفسه.


وانعكاس هذه الأفكار الخاطئة تبدو اليوم أكثر فأكثر سلبية, خاصة أن الاكتئاب عند الطفل لا يعود لميكانيزما بيولوجية يمكن, بالتالي, الشفاء منها بتناول عقاقير طبية.


هناك, أيضًا, فكرة أن صغار السن لا يعانون اكتئابًا حقيقيًا, والواقع, أن الاكتئاب يصيب الأفراد من كل الأعمار والطبقات الاجتماعية, لكن أعراضه تختلف باختلاف العمر.


ومن الأفكار الخاطئة الأكثر شيوعًا نذكر: الاعتقاد بأن الطفولة هي مرحلة سعادة, مرحلة الخلو من الهموم والمشاكل الحقيقية, وأنّ الهموم - إن وُجدت عند الطفل - لا يمكن أن تكون إلا عابرة وغير مؤذية قد ساد طويلا إذ كيف يمكن تصوّر إمكان أن يكون الطفل الصغير فريسة أفكار سوداء, قلق وغرق في الحزن?


والواقع أنّ الراشدين لا يدركون حال الانضغاط والقلق التي يمكن أن يعيشها الأطفال: فطلاق الأهل, خسارة شخص عزيز, نسق العمل المدرسي,...إلخ, كلها مصادر انضغاط يمكن أن تؤدّي للإصابة بالاكتئاب, هذا, مع العلم بأن هناك فروقًا بين الأفراد, إذ منهم من يتمتع بدرجة تحمّل وتكيّف مع الظروف أكثر من غيرهم. وهناك, أيضًا, واقع أن كل الأطفال ليسوا سعداء, وبخاصة أطفال اليوم معرّضون أكثر بكثير من قبل, وهم دون أي حماية, للتأثيرات الخارجية: لتأثيرات التلفزيون, بالدرجة الأولى, التي تعرّضهم لوقائع مؤلمة وقاسية (حيث يظهر العنف بكل أشكاله) وهم في العمر الأكثر تأثرًا بالخارج.


بالفعل, كان من الصعب تصوّر الطفل بحال اكتئاب, خصوصًا حين يترعرع ضمن إطار عائلي يوفر له الشروط الكفيلة بتحقيق تفتّحه وانفتاحه على الحياة, وبشكل مواز, بدا من الصعب غالبًا على الأهل الافتراض بأن ولدهم قد يكون مصابًا بالاكتئاب حين يرونه حزينًا, منغلقًا على نفسه, سريع الاستثارة, لم يعد يأكل كما في السابق, نومه مضطرب,..إلخ, والأخطر من ذلك أن العدد القليل منهم هو من أحسّ بوجوب التساؤل حول إمكان تهديد هذا الحزن الملاحَظ عند ولدهم لتوازنه النفسي في المستقبل.


وبالإضافة إلى ما سبق ذكره من أفكار خاطئة, هناك الاعتقاد السائد بأن المكتئبين يجدون أنفسهم بحال أفضل إن حاولوا رؤية الناحية الإيجابية من الأمور ذات التأثير الاضطرابي المهم, إذ يمكن لهذا التفكير المبسّط, إن تمّ توجيهه للفرد, للطفل والمراهق بوجه خاص, أن ينعكس سلبًا عليهما, بمعنى تعزيز الإحساس عندهما بأنهما لا يُفهمان من قبل الآخرين, الأمر الذي قد يعرّضهما, أكثر فأكثر, لمواجهة المشاكل بمفردهما ودون أي مساعدة: فجملة (سترى, غدا تنصلح الأمور...) لا معنى لها بالنسبة للأطفال إذ يفتقرون للخبرة التي تمكّنهم من معرفة أن الانفعالات, المشاعر والوضعيات يمكن أن تتغير, لذا, لا يمكنهم رؤية الناحية الجيّدة من الأمور.


كما أن الاعتقاد الخاطئ (التحدث عن الاكتئاب يزيد حال الشخص خطورة) ويساهم بتعزيز الاضطراب لأن التحدث عن معاناتنا يساعد, على العكس, بوعي حاجتنا للمساعدة, لطلبها ولبذل المستطاع بهدف التخلص من هذه المعاناة.


لكن تجدر الإشارة هنا لما حققه البحث العيادي والعلاج النفسي من قفزات تطورية هائلة على مستوى التدخل الفعّال إلى جانب المصابين بالاكتئاب, أكانوا راشدين أم مراهقين أم أطفالا. يضاف إلى ذلك ما تمّ الكشف عنه بخصوص احتمال أن يقع الإنسان, أي إنسان, فريسة اضطرابات نفسيّة (الاكتئاب من بينها) كواقع شديد التواتر عند كل فرد: طفلا كان أم مراهقا أم راشدًا.


من هنا يُفهم السبب في تركيزنا على موضوع الاكتئاب عند الطفل بهدف لفت انتباه المحيط (الأهل والمعلمين, بالدرجة الأولى) لوجوب إدراك هذا الواقع, ونعني به: واقع أن الحزن والأسى المعيشين من قبل الطفل قد يؤدّيان, في بعض الظروف, لإحداث ما يسمى بـ(الاكتئاب) عنده. ومع ذلك, هناك العديد من الأطفال الذين أبدوا مؤشرات اضطرابية متعددة كـ: الصعوبات المدرسية, سرعة الاستثارة, الانسحاب الاجتماعي (كالانطواء على الذات), القلق,...إلخ, لكن الأهل لم يدركوا أن هناك شيئا ما على غير ما يرام عند طفلهم وعليهم, بالتالي, الإسراع في التساؤل حول ذلك كي يتمكّنوا من معالجة الوضع قبل تفاقمه.


وتجدر الإشارة, من جهة ثانية, إلى واقع لاحظناه ونلاحظه بشكل شديد التواتر, ويكمن في عدم طرح العديد من الأهل التساؤلات بخصوص حال طفلهم إلا بعد تفاقم الألم عنده وبعد أن تصبح حياته اليومية غاية في الصعوبة, وتصبح الحياة العائلية, بالمقابل, أكثر فأكثر تعقيدًا وصراعًا. أما ما ساهم, ويساهم دائمًا, في تعزيز هذا الواقع فهو ما يكمن في صعوبة حصر اكتئاب الطفل لأنه لا يعبّر, عمومًا, عن حزنه: فمظاهر الاكتئاب تبقى مقنعة عنده ودون أي ارتباط ظاهري بالمشاعر الحقيقية التي يحسّ بها, ومع ذلك, نود الإشارة إلى أن الأعراض التي يبديها الطفل تبقى قابلة للملاحظة شرط أن يكون الراشدون على إلمام بها مثل: الهروب من المدرسة, تدنّي النتائج المدرسيّة عنده, خواف اجتماعي معيّن, شكاوى جسدية, فورات غضب عارم, نكد المزاج, نزوع لارتكاب الحماقات, ميل غير طبيعي للإيذاء (إيذاء الأخوة أو الحيوانات أو ميل للإحراق...),...إلخ.


لتفسير إمكان التحدث عن وجود الاكتئاب عند الطفل, ركّزت البحوث الأولى في هذا المضمار على فشل الطفل الصغير بالنسبة لحاجته إلى تحقيق تعلّقه العاطفي بأهله, بأمه على وجه الخصوص, أو على قلق يعتري هذا التعلق لدى حصول خسارة أو انقطاع معيّنين في هذا المضمار, ويظهر, عند ذلك, تحت شكل مؤشرات اكتئابية واضحة. لكن قلق الانفصال هذا لا يصبح مرضيّا إلا في حالات معينة (كأن يعيشه الطفل بشكل سيئ جدا يترافق مع: نوبات بكاء مستمر لساعات, اختلال سلوكه بعد ذهاب الأم, التعرّض لمخاوف قد تأخذ شكل الكوابيس, الخوف من الخطف, خوف من حدوث كوارث للأهل تعرّضه لخسارتهم,...إلخ).


باختصار سريع نقول, يكمن المحك الأهم للاستخلاص بوجود الاكتئاب في: ترابط مؤشرات اكتئابية عدة واستمرارها أي, تكرارها بالإضافة لدوامها على الأقل خلال فترة أسابيع, ومن مؤشرات هذا الخطر نذكر: تغيّر سلوك الطفل, فقدان اللذة في أي شيء, اضطراب قابليّته للطعام (فقدان أو زيادة هذه القابليّة) وبشكل متواتر, ثورته لأتفه الأسباب, بطؤه, تعبه, صعوبة التركيز عنده, صعوبة النوم, التفكير بالموت,...إلخ.
مؤشّرات لا يمكن أن تخدع ، هناك مؤشّرات يجب أن تشغل بال الأهل أو المدرّسين (كراشدين يحيطون بالطفل ويرافقونه خلال فترة طويلة) حين يلاحظونها عند الطفل, من أهمّها:


أي تغيير في سلوك الطفل بالمقارنة مع ما كان عليه في السابق هو دائمًا مؤشر مُقلق, مثل: تغير قابليته للطعام أو للنوم, حالة استثارة, بطء نفس - حركي, انخفاض في الطاقة, شعور بالذنب أو بانخفاض القيمة الذاتية غير المتلائم مع الواقع, صعوبات على مستوى قدرات التفكير أو التركيز, أفكار معاودة بخصوص الموت, أفكار أو محاولات انتحار,... إلخ.


مشاعر وسلوكات سلبية يمكن ملاحظتها أو التقاطها عند الطفل, مثل: شعور عميق بفتور الهمّة أو بالإحباط واليأس, وانصراف عن نشاطات كان يقوم بها, رغبة عارمة بالبكاء (وأحيانًا كثيرة دون سبب), بطء الحركة, سلبية مفرطة, تعابير وجه حزينة وغير معبّرة, سرعة الاستثارة, عدوانية, انعدام الصبر,...إلخ.


فقدان الطفل لأي رغبة في القيام بأي شيء (أي نشاط أو عمل...): فالاكتئاب يتميّز دائمًا بفقدان الاهتمام واللذة, وإن بدرجات متفاوتة حسب الأفراد, مثال: لم يعد الطفل يميل للقيام بأي شيء, لم يعد يجد أي لذة, لم يعد قادرا على الإحساس بالتسلية (إن بمفرده أو مع الأصدقاء), ذلك مؤشر غاية في الأهمية, ومن المتوجب على الأهل الانتباه إليه منذ حدوثه عند الطفل كـ(عامل وقائي مبكر).


حال هياج, خاصة حين تظهر بشكل مفاجئ, مثال: أصبح الطفل لا يُطاق وعاجزا عن احترام الوظائفية العائلية بخصوص تناول وجبات الطعام أو عن البقاء أمام الطاولة,...إلخ.


البطء (أو التباطؤ) النفس - حركي, مثال: حديثه بطيء, فترات صمت تمتد عنده قبل أن يتمكن من الإجابة, التحدث بصوت ضعيف أو مثير للملل, حركات بطيئة للجسم, انخفاض معدل الكلام عنده (فقر الحديث أو الخرس), ذلك مؤشر مهم على وجود الاكتئاب: يعطي الطفل الانطباع بأنه في حال تعب مفرط, حين يبدي رغبته بالتواصل.


انخفاض شبه ثابت في مستوى الطاقة الحيويّة, حتى في غياب أي جهد, أي يجد صعوبة أو يستحيل عليه القيام بأي مهمة كـ: تحضير محفظة كتبه مثلا أو تنظيف أسنانه...إلخ, وعجز عن التركيز.


ظهور مفاجئ, وبشكل متواتر, لصعوبة التركيز, بطء التفكير وانعدام اتخاذ القرار وأحيانًا, شكوى من اضطراب الذاكرة وسهولة تشتت الانتباه عند الطفل. إن لذلك دورًا مهمًا في حدوث التدهور على مستوى تحصيله المدرسي. لكن, ينبغي الإشارة إلى أن الطفل قد يبدي, بشكل متواتر, صعوبات في التركيز دون أن تكون مؤشرًا للاكتئاب.


تفكير بالموت (مثال: الاعتقاد بأن الموت أفضل من أن يرسب فيضطر لإعادة سنته الدراسية) لا يقتصر على الخوف من الموت: (مثال: جدّي مسن, هل سيموت?). لكن, لابد من الالتفات هنا إلى أن الموقف من الموت وتمثل المفهوم بخصوصه يتطوّران عند الطفل ويضطرّانه للتعبير عمّا يشعر به في هذا المضمار وذلك في فترات مختلفة من حياته, ولابد, أيضًا, من الإشارة لحاجة الطفل إلى اجتياز بعض الفترات الاكتئابية في نموّه النفساني, لا بل هناك أحيانًا أفكار انتحاريّة عنده. إنما يجب أن تؤخذ هذه الأفكار الانتحارية دائمًا مأخذ الجد, هذا ويسهل على الأهل التقاطها إذ يسبق الحركات الانتحارية, بشكل شبه دائم, كلمات أو تعابير (خطيّة أو شفهيّة) تنم عن الانتحار.


والتساؤل الذي لابد أن يطرحه الأهل على أنفسهم يبقى:

ما العمل لمحاربة الاضطراب?

كيف يمكننا مساعدة ولدنا?

وما الأخطاء المتعين عدم اقترافها?


بادئ ذي بدء نقول, يثير اكتئاب الطفل ردّات فعل عليه عند الأهل كـ: صعوبة التواصل مع الإخوة والأقارب, الإحساس بأنه يعيش وضعيّة إخفاق شخصي, صعوبة التواصل مع الزوج (أو الزوجة), إحساس بالخجل, لذا لابد من إيجاد توازن معيّن داخل الأسرة بين مرض الاكتئاب واحترام الأهل لإمكاناتهم النفسية والفيزيقية, أي قيام الزوجين بمراجعة للأمور, بين فترة وأخرى, كي لا تتسبب المشاكل المترابطة باكتئاب الطفل بانفصالهما, مثلا: استمرار التفكير في مختلف الأمور الخاصة بالعائلة والاهتمام بباقي الإخوة, دعوة الأصدقاء, عدم الخجل بخصوص اكتئاب الطفل (فالوضع لا يثير الخجل, كما أنّ الاكتئاب لا يعتبر بمنزلة ضعف, وكل إنسان معرّض للإصابة به).


عدم الإحساس بالذنب, خاصة من قبل الأم التي طالما اعتُبرت المسئولة الأولى عن كل شيء: صحيح أن الوراثة تعد من العوامل المسببة للاكتئاب, لكن تلك لا تعني حتميّة إصابة الأطفال به, لذا, يكمن الموقف الأكثر عقلانية والأسلم في عدم الشعور بالذنب (لن ينفع ذلك إلا بتأزيم مواقف الأهل, في الحقيقة) أو الإحساس بالقلق لأن في العائلة إرثا بيولوجيا اكتئابيا أو انتحاريا, والأهم, يكمن في عدم ترك الذات تتأثر بهذه الرؤية القدريّة غير السليمة.


ولمساعدة الطفل, ننصح الأهل بما يلي:
- لتجاوز حزنه, بإمكانكم إعطاؤه ورقة وأقلام تلوين, مثلا, وتشجيعه على التعبير عمّا يحس به قائلين له: حاول, تخيّل الحزن, كيف تراه: أهو ذو شكل محدد? ما حجمه? أهو غير منظور (لا يمكن رؤيته)? أله ألوان معيّنة?


من شأن محاولة ترميز الحزن على هذا النحو تسهيل عملية التعبير عن المشاعر المترابطة به (كالإحساس بالانغلاق, بالعزل, بالعجز عن الإحساس بأنه كالآخرين,...) بالإضافة لإمكان تقييم ما يطرأ عليه من تعديل مع الوقت (فيما بعد), كما تساعد عملية تمثل الحزن من قبل الطفل, وبالشكل المحسوس, على تقييم تطوّر وتماوجات مزاجه (مثال: (تغير لون الحزن, أصبح أقل قتامة, إنه الآن, أصفر اللون تقريبًا) أو (إنني أراه بعيدًا الآن, لم يعد يحاصرني).


لتعزيز احترام طفلكم لذاته, وبشكل مواز مساعدته على تجاوز الأفكار السلبية التي يكوّنها عن نفسه, من المهم جدا توجيه رسائل إيجابية تقيّم شخصيته, وهنا ننصح باستخدام كلمة (أنا) بدلا من (أنت) لدى توجهكم كأهل للطفل, إذ تصبح مشاعركم وما تطلبون من الطفل تنفيذه واضحين بالنسبة له, فمثلاً, لتوجيه اللوم إلى الطفل الذي لم يلتزم بالوقت الذي حدّده.., من الأفضل استخدام الجملة التالية مثلا: (حين أسمح لك بالعودة عند الساعة السادسة, أحب أن تلتزم بذلك, وإذا ما طرأ حادث معيّن, أودّك أن تتصل هاتفيًا لإعلامي بسبب تأخرك عن العودة في الوقت المحدد لأنني أقلق وأتخيّل العديد من الأشياء التي قد تحصل لك) بدلاً من استخدام الجملة التالية التي غالبًا ما يستخدمها الأهل (قلت لي بأنك ستعود عند الساعة السادسة, والآن تخطّت الساعة الثامنة! ألديك فكرة عمّا يمكنني تخيّله حين تتأخر في العودة!) حيث يوجّه الأهل اللوم للطفل لكنهم لا يقدّمون له سوى القليل من المعلومات حول نتائج سلوكه لكن, خصوصًا, ينسون أمر تذكيره بالسلوك المتكيّف مع الوضعيّة وما يتعين عليه القيام به فيما بعد. بتعبير آخر نقول, ينبغي وصف الوضعية الإشكالية, ثم المشاعر ثم الموقف المفروض على الطفل اللجوء إليه إذا ما تكرّرت الوضعية باستخدام صيغة المتكلم.


ومن المهم جدا, في هذا الإطار, تقييم الطفل (التكلّم عن الإيجابيّات التي قام بها سابقًا, أو حين كان في عمر أصغر) كوسيلة لتعزيز ذاكرة الأحداث الإيجابية عنده أي, باختصار: تدعيم الإحساس عنده بأنه شخص مهم, إما بتقييم صفات عامة يملكها (مثلا: (أنت شخص ذكي)) أو بالتركيز على نقطة محددة (مثلا: (أحببت طريقتك المهذبة بالإجابة على السيدة)).


من المهم, أيضا, مشاطرته (أي مشاطرة الأهل الطفل) بعض الأنشطة ولو لبضع دقائق في اليوم, والتعبير له عن مدى الإحساس بالفرح الذي عاشوه (مثلا, (أحببت كثيرا الرسم معك)).


لمساعدته على تجاوز صعوبات النوم, من المهم جدا تشجيعه على التعبير عمّا يدور في رأسه من أفكار: أخذ الوقت الكافي للتناقش معه ولمساعدته بالتعبير عمّا يجول في رأسه, وحين يعبّر عن أفكاره, لا تحاولوا إقناعه بأن أفكاره غامضة, بل حاولوا إعادة صياغة ما قاله دون تحريفه وطرح بعض الأسئلة عليه لاستكمال فهم ما يقوله, مثلا: إن قال بأن الأرض كالكرة, يمكن سؤاله: والكرة, كيف هي? أهي جميلة? ما لونها?....إلخ, بتعبير آخر نقول, كونوا بمنزلة (مرآة لأفكاره) كي يشعر بأنه مفهوم من قِبلكم: فالإصغاء له وهو يخبركم بما يدور في رأسه من أفكار دون مقاطعته ودون محاولة تفسيرها أو تبريرها يمكّنه من الإحساس بالثقة ومن النوم: فساعة النوم ليست للمناقشة أو للصراع, لذا عزّزوا الوصف الذي يعطيه بخصوص أفكاره, إذ قد يساعده ذلك على اتخاذ مسافة منها بعد التعبير عنها وحتى الضحك لدى تذكّره لها.


لمساعدته على تجاوز الخجل, هناك العديد من الاستراتيجيات التي بالإمكان استخدامها, لكننا ننصح الأهل, على وجه الخصوص, بما يلي: الطلب من الطفل ملاحظة سلوك تكيّفي - إيجابي قام به أحد الرفاق وتقليده, إذ يسهل على الطفل اتخاذ الرفاق (بخاصة من عمره أو بعمر قريب) كنموذج, وهنا ننصحهم بتعزيز ملاحظته لسلوكات الأطفال الآخرين عن طريق سؤاله حول ما يعجبه عندهم, ما السلوكات التي يقومون بها وتعجبه, الطلب منه أن يلعب مع الآخرين في الحديقة مثلا أو في ملعب المدرسة, إلخ.


لمساعدة الطفل على تجاوز الصعوبات المدرسيّة, ننصح الأهل بملاحظة السلوكات التي يتجنّبها, وبتقسيم هذه السلوكات إلى سلسلة مترابطة من المهمّات الصغيرة المتدرّجة وتشجيعه على الانخراط بها تدريجيًا, وهكذا, يسهل عليه تنفيذها إذ يبدو له الأمر قابلاً للتحقيق بدلاً من رؤيتها بمنزلة جبل عليه تسلقه مرّة واحدة.


لمساعدة الطفل العدائي, من المهم جدًا للأهل انتقاد السلوك الذي يقوم به وليس شخصه (مثال, بدلا من قول (لن تتغيّر أبدًا, أنت دائم الأذى), من الأفضل تحديد التعديل السلوكي المراد تحقيقه (أطلب منك ألاّ تؤذي أخاك)أو (إن حُرمت من التلفزيون هذا الأسبوع فلأنك تضرب دائما أحد رفاقك بالمدرسة مع أنك وعدت بعدم تكرار ذلك)), وإثارة دوافعه الإيجابيّة (مثال: (إن لم تؤذ أحدًا خلال أسبوع كامل, فسنسمح لك بالذهاب في النزهة مع رفاقك)). لكن, بالمقابل, من المهم جدًا للأهل أن يكونوا صبورين فيصغوا للتفسيرات التي يقدمها الطفل لتبرير سلوكاته إذ قد يكون أحيانًا ضحية, كما قد يكون على اعتقاد بأنه محق, وعليهم تجنّب كل الملاحظات ذات الطابع النهائي ((لن تتغيّر أبدًا)), أو الرفضي ((ضقت ذرعا بك وبتصرفاتك)), أو المثير لمشاعر الذنب عند الطفل ((تجعل حياتنا جحيمًا لا يطاق)), إذ إن الطفل, رغم حالة الهياج التي تحرّكه, يبقى حسّاسًا جدًا تجاه آراء الآخرين به وبالتالي, من شأن مثل هذه الملاحظات تأزيم حال اللااستقرار التي يعانيها.


خلاصة القول :
أن كل إنسان معرّض للوقوع فريسة الاكتئاب, لكننا نمتلك اليوم مجموعة من المعلومات التي تمكّننا من كشف وجوده في ضوء مظاهر الحياة العادية. لذا, تشكّل مسألة تقبّل واقع أن يُصاب الطفل بالاكتئاب أول وأهم خطوة في مضمار الوقاية, إذ لا ذنب لهذا الطفل بحدوثه: فهو (أي الاكتئاب) ليس نتاج كسله أو ميله للشر أو...إلخ, وله الحق في أن توليه العائلة الاهتمام والمساعدة اللازمين ليتمكّن من تجاوزه.

الخميس، 14 يونيو 2012

نوم الطفل في غرفة خاصة


الواقع أن أفضل طريقة للتعامل مع موضوع نوم الطفل في غرفة خاصة به أو في غرفة منفصلة عن والديه, هو أن تهيأ هذه الغرفة في وقت مبكر من عمر الطفل , وأنا شخصيا أرى أن عمر 6 أشهر هو عمر مناسب لفصل الطفل عن والديه في غرفة منفصلة, ويساعدنا على ذلك الوسائل التكنولوجية المتوفرة هذه الأيام , بحيث تستطيع الأم أن تكون في المطبخ وتستمع لما يدور في غرفة طفلها, أو أن ينام هو في غرفة ووالديه في الأخرى .قد يستغرب الطفل المكان قليلا لكن لن يقاوم النوم في تلك الغرفة كما سيقاومة الأكبر سنا.



وبما أن الطفل الذي بين أيدينا قد جاوز هذه العمر بكثير سيكون فصله في غرفة منفصلة يحتمل المقاومة أكثر من ذلك ,وذلك لاعتياد الطفل الشعور بالأمان مع الوالدين, ونمو قدرة الطفل الخيالية التي يمكن أن يتخيل بها ما قد يخيفه,ولكن قد يسهل عملية النقل أنهما طفلان لا واحد. ويمكن أن:



-نهيئ الطفل نفسيا لهذه الخطوة, ممكن أن نقول له: لقد أصبحت كبيرا مثل فلان(أي شخص يحبه الطفل) وممكن أن تكون لك غرفتك الخاصه,تكون هذه الغرفه فيها نومك و ألعابك وكل ما تحب ,

-       إن لم يكن يملك سريرا فشراء السرير الجديد حدث محبب لنفس الطفل, كما يمكن اشراكه في كل ما يخص إعداد الغرفة, مكان وضع السرير و كيفية وضع الألعاب , ولون الغرفة إن أمكن ,...

-       إن كان الطفل سيتحول لسرير كبير بدلا من سرير الطفل لأول  مره, فمن الأفضل شراء الحواجز المعروفة للسرير ليستخدمها الأطفال حتى يعتادوا النوم في سرير الكبار, عدة أشهر قد تكون كافية.ويمكن أن تتوفر في محلات (آيكيا).

-       تأكدي أن الغرفة الجديدة آمنه , بمعنى عدم وجود ما قد يضر الطفل بها لو استيقظ قبلك مثل شبابيك غير آمنه, أفياش كهرباء , رفوف,...

-       تأكدي أن الغرفة مريحة و دافئة في الشتاء ,و باردة بدرجة معقولة في الصيف, و بعيدة عن الإزعاج...

-       قد يحتاج الطفل لبعض الضوء في الغرفة فلا مانع من ذلك , أو قد يحتاج أن تتركي الباب مفتوحا قليلا للإطمئنان.

-       إجعلي بينك و بينه جهازا من الأجهزة الناقلة للصوت المعروفة و المتوفرة في محلات بيع أدوات الأطفال أو بعض محلات الألعاب, أو أجهزة الاتصالات, ودعيه يعرف ذلك حتى يطمئن.

-       قد يخاف الطفل من بعض الألعاب المحشوة ذات الحجم الكبير , فانتبهي لذلك.

-       إجعلى للنوم روتينا واحدا من حيث الساعة و الخطوات كل ليلة, مثلا العشاء ثم الاستحمام ثم لبس ملابس النوم ثم قراءة قصة في السرير ثم قراءة بعض القران و ثم نطفئ النور , و تخرجين من الغرفة بعد الدعاء له بنوم مريح أو قول تصبح على خير أو ما اعتدتم عليه.

-       لا تتراجعي عن النقل و ترجعيه للنوم معك مرة أخرى لأي سبب من الأسباب,و إذا ما بدأت في هذا المشروع فاستمري , قد  تكون العملية صعبة لعدة أيام أو أسبوع أو أكثر ,وسيحاول الأطفال جاهدين إختبارك و طلب السماح لهم أن يسهروا أكثر من ذلك أو العودة للنوم معك ولكن أثبتي, بكل هدوء, ولا ترضخي لهم و سرعان ما يصبح الأمر عاديا.

-       ممكن استخدام طريقة التعزيز لو ظننت أنها مفيدة مع اطفالك,فيمكن أن يكون لكل منهم لوحة يكسب عليها ملصق (ستكر)_ التي يحبها الأطفال_ في الصباح بعد أن يمضي ليلته في الغرفة الجديدة.

-       بما أنك تنتظرين مولودا جديدا, فمن الأفضل الاسراع بنقل الأطفال حتى لا يظنون أن نقلهم كان بسبب الطفل الجديد, وتزيد الغيرة الطينه بله.
بالنسبة للمولود الجديد أرى أنه من الأفضل نقله للنوم في غرفة منفصلة إن أمكن  في سن الست أشهرحثى لا يكون من الصعب نقله بعد ذلك,وأن كانت لا تتوفر في البيت سوى غرفة واحدة للأطفال فيمكن التأخر قليلا حتى لا يكون المولود الجديد مصدر إزعاج لإخونه الصغار,وعلى أية حال فستكون لديكما التجربة و الخبرة في هذا الموضوع.

نمو الذات عند الطفل



الطفل لا يملك في البداية طرازاً نفسياً متميزاً يمكن أن يسمى (ذات)، وليس له أي إحساس حولها، فهو يستجيب للبيئة وكأنه كتلة غير متمايزة الأجزاء: ثم إن عدم إشباع الحاجات المادية تنقص من اعتبار الطفل لذاته.
ولم تجد (شارلوت بوهر) دليلاً على أي تكوين سيكولوجي واضح يمكن وصفه (ذات) إذ يستمر الطفل طيلة السنوات الخمس الأولى من حياته حتى تنفصل ذاته تماماً عن العالم الخارجي، ويستطيع أن يراها كما يراها الغير))؛ ويعتقد أن الذات لا تصل إلى درجة الوضوح إلا في سن الثالثة، وتأخر إدراك الذات عند الطفل يعود إلى أسباب عدة منها ضعف الذاكرة، أو افتقاره إلى قدر من الخبرات الكافية، وقد تعود إلى عجز لغوي. ويرى العالم (رانك) أن الذات تبدأ بالنمو عندما يلاحظ الطفل أنه هو ووالديه شيئان منفصلان فيبدأ بالشعور بضرورة تأكيد ذاته بطريقة سلبية ضد الوالدين رغبة منه في تحديد معالم ذاته.
أما (مورفي) فيرى أن التقنيات التي تجري في جسم الانسان هي أساس نشأة مفهوم الذات لديه، وهو ينمي هذه الذات باندماجه مع البيئة، في حين يرى (سوليفان) أن الكائن الحي هو تنظيم مستمر للذات يحدث في إطار العالم الفسيوكيميائي من خلال النشاط الوظيفي الذي يقوم به الفرد، ويعمل كل من الاستحسان والاستهجان اللذين يلقاهما الطفل في مرحلة الطفولة على تسهيل أو تقييد نمو الذات.

ويتحدث (سوليفان) عن أساليب اكتساب الخبرة عند الطفل فيحددها بثلاثة هي:
1
ـ الخبرة البدائية: حيث يصعب على الطفل أن يميز بين ذاته والعالم الخارجي.
2
ـ اكتشاف الخبرة المستمرة حيث يصبح أكثر تمييزاً وأكثر وعياً بالفرق الأساسي بينه وبين العالم.
3
ـ الخبرة المركبة وفيها يفهم العلاقات المنطقية لمختلف رموز اللغة والجماعة. وفي هذه المرحلة يقتبس الطفل ما يسمع من الكلمات فيمتصها حتى تصبح جزءاً من ذاته، وتدريجياً يتعلم كيف يفكر كفرد له وجهات نظر خاصة.

والحقيقة أن فكرة المرء عن نفسه هي عامل هام في توجيه السلوك، وهو يتصرف مع الناس، وفق هذه الفكرة ومن خلالها يختار فيما بعد زوجته وأصدقاءه ومهنته، حتى سلوكنا اليومي فهو خاضع لمقتضيات هذه الذات.. وهذه الذات تلعب دور التوفيق بين فكرتنا عن الحاضر وفكرتنا عن المستقبل. وقد وصل العلماء إلى نتيجة موحدة مؤداها أن الإحساس بالذات يحدد الأهداف وطريقة الكفاح من أجل بلوغها. كما ثبت أن مفهوم الذات له تأثيرات على التحصيل المدرسي حتى في سنوات الطفولة الأولى، ثم تبين من خلال دراسات أجريت، أن الطلاب ذوي التحصيل العلمي القليل يمتلكون مفاهيم ضعيفة عن ذواتهم بينما يمتلك رفاقهم من ذوي التحصيل العالي مفاهيم ومشاعر عن ذواتهم أكثر إيجابية، كذلك لوحظ أن هؤلاء يولون أهمية لتقييم والديهم لقدرتهم على الأداء المدرسي، وكأن ذلك هو نوع من قوة الدفع. وللمدرِّس كذلك تأثير هام على الاتجاهات نحو الذات لدى الطالب، خاصة إذا كانت هذه الاتجاهات متعلقة بمشاعره، حول كونه قادراً على التفكير وحل المشكلات، والإجابة على الأسئلة، وعلى المدرس أن يساعد التلامذة على رؤية أنفسهم بطريقة أكثر إيجابية وفي أن يكونوا واقعيين فيما يتعلق بقدراتهم، حتى مسألة التوافق الدراسي فهي مرتبطة إلى حد بعيد بنظرة التلميذ إلى ذاته، وذلك يؤثر أيضاً على الواقع الاجتماعي للطالب وعلى تكوين علاقات طيبة مع المدرسين، كل ذلك يحدث بعد أن يحقق لذاته الشعور بالاحترام والتقدير من الآخرين.
والتعلم أيضاً يؤثر على مفهوم الذات، لأن هدف التعلم هو محاولة إكساب الذات هذا القدر الهائل من العادات والسلوكيات التي نقوم بها في حياتنا اليومية، ومنها العادات الاجتماعية ونظرة الفرد إلى ذاته. ويرى علماء النفس ((أن الأسلوب الذي يتعلمه الفرد في نظرته إلى نفسه يعتبر عاملاً أساسياً في فهم سلوكه)).

ويرى فريق من هؤلاء العلماء أن مفهوم الذات ما هو إلا صورة متعلمة من الإدراكات والمعارف، وإن جزءاً هاماً من هذا التعلم يتم من ملاحظة ردود الفعل التي يحصل عليها الطفل من الآخرين وامتصاصها. وأكثر هؤلاء هم الوالدان لكونهما أكثر الأشخاص تأثيراً على طفولته الأولى، وقد تبين وجود أدلة على أن مستوى اعتبار الذات لدى الطفل مرتبط بمستوى اعتبار هذه الذات الذي يقرره الوالدين، وتكوين الذات يتجه إلى تقليد الوالد من الجنس المشابه..
وقد تبين فضلاً عن ذلك أن الذات هي المحور الذي تقوم عليه الإدراكات المؤثرة نحو الآخرين، وأن الفرد حينما يتقبل ذاته فهو يتقبل الآخرين بالضرورة، وأن الاتجاهات التي تتكون نحو الذات تنعكس على الاتجاهات نحو الآخرين.
والخطورة الأكبر تكمن في الفارق بين نظرة الفرد إلى ذاته ونظرة الآخرين إلى هذه الذات، فإذا كان الفارق كبيراً بين هاتين النظرتين، فإن الفرد يتجه إلى الأشياء فالاكتئاب فالمرض العقلي. من أجل ذلك علينا تكوين فكرة سليمة عن ذواتنا ثم تزويد أطفالنا برأي الآخرين والذين نحن منهم في ذوات هؤلاء الأطفال.
والنجاح هو في المواءمة بين خصال الفرد، وبين ما يتطلبه المجتمع من هذه الخصال، فإذا تطابقت فهو في عيشه راضية واطمئنان نفسي وعصبي وإلا فسيعتريه القلق.

ولقد أشرنا أن فكرة المرء عن ذاته وعن قدراته هي التي تحدد نسبة الطموح ودرجته. وهذه الفوارق بين النظرة إلى الذات والطموح تختلف باختلاف الجنسين، فهي عند الإناث أكثر مما هي عند الذكور. فهناك فارق كبير بين فكرة الأنثى عن نفسها وبين ما تتخذه لنفسها من مثل، وهذا دليل وجد مستوى من الطموح العالي لدى الأنثى، وربما يعتبر ذلك دليلاً على أن البنات يلجأن إلى التفكير الخيالي ويحلقن في عوالم رومنطيقية أكثر من الذكور.
وفي اختبار ـ أجريته شخصياً ـ على تلامذة في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة مختلطة (كان الاختبار أن يقوم التلامذة بعد مضي يوم واحد على الاختبارات الفصلية في المواد التي درسوها أن يحدد كل منهم الدرجة أو العلامة التي يتوقعها من أستاذه على كل مادة من المواد) والغاية من الاختبار أن يقيم كل واحد من التلامذة ذاته بدقة.
وتبين بنتيجة الاختبار وبعد الفرز أن 85% من البنات أعطين نفس الدرجات، في حين وجد أن 25% من الذكور هم الذين قاربت تقديراتهم للدرجات التي وضعها المدرِّس.

والحقيقة أن لأسلوب التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الجنسان خلال عملية التربية والتطبيع الاجتماعي لها أكبر الأثر في إحداث الفوارق المشار إليها، لأن مفهوم الذات هو مفهوم اجتماعي، أو هو نتيجة لعملية التنشئة والتطبيع، ثم إن نظرة الأسرة التقليدية إلى البنت على أنها مخلوق ضعيف وهي بحاجة إلى رقيب ووصي عليها، وقلق الأهل على مستقبلها كل ذلك يجعلها تُكون مفهوماً سالباً عن الذات ويجعلها كذلك تغرق في شعور دائم بالقلق والذنب.
والخلاصة أن تنمية الذات، وتعديلها بشكل يتوافق مع الواقع العملي ومع التقديرات الحقيقية، بعيداً عن الاستغراق في الخيال الجامع عند أطفالنا وأولادنا هي من أبرز مهمات الوالدين وأكثرها دقة